الليبرالية وما تؤدي إليه (2) الشيخ محمد بن إبراهيم المصري


بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، رسول الله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
أما بعد...
 
فمن جنون الكفر والفلسفة، والشهوة، والمعصية = جنون التحرر من كل شيء!!: عدم اعتبار الفروق التي جعلها الله تعالى بين الرجال والنساء، وبين الناس والحيوان، بل بين الأحياء والأموات(1).

قال بعضهم(2)«من القضايا التي تشغل الوسط الجامعي اليوم «الجندر»، والحيوان، و«البيوتيقا»، ولكن عندما نقرأ النصوص المؤسسة للمتخصصين في هذه المواد أمثال: جون موني، جوديث باتلر، بيتر سنغر، ودونّا هاراوي، نلاحظ أن وراء العواطف النبيلة(3) المعلنة عواقب عبثية إن لم تكن مرذولة.(4)

إذا كان «الجندر» غير مرتبط بالجنس فلماذا لا نغيره كل صباح؟ وإذا كان الجسد طوع وعينا فلماذا لا نحوره إلى ما لا نهاية؟ وإذا لم يكن ثمة فرق بين الحيوان والبشر فلماذا لا نجري التجارب العلمية على الذين هم في حالة غيبوبة بدل الحيوانات؟ وإذا كان ثمة حيوات جديرة بأن تعاش، وأخرى غير جديرة، فلماذا لا نتخلص من المعاقين، بمن فيهم الأطفال «المعطوبين»؟ ولماذا لا نؤمم أعضاء من هم في عداد الموتى لفائدة بشر واعدين؟!(5)
 
في كتاب «الفلسفة إذا جنت، الجندر والحيوان والموت»(6)يتوقف جان فرانسو ابراونشتاين أستاذ الفلسفة بالسوربون عند عدد من مشاهير المفكرين!!(7) في الغرب؛ ليناقش أفكارهم، ويفضح تناقضاتهم، ويبين مسيرتهم الذاتية، فيحلل ويفكك(8)؛ ليستخلص أن من الخطإ إزالة الحدود بين الجنسين، وبين الحيوان من جهة والبشر من جهة أخرى، وبين الأحياء والأموات، والصواب أن نواجه تلك الحدود التي تشكلنا(9)مؤكدًا أن الفلسفة تصاب بالجنون حين تنسى الإنسان»(10).
 
قال الله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)} [طه].
 
والحمد لله تعالى على نعمة الإسلام
اللهم أحينا على الإسلام والسنة وأمتنا عليهما

 

كتبه
محمد بن إبراهيم
بالقاهرة في 28/ 1/ 1441
 
 
 
---------------------------------------------
(1) ومن باب أولى عدم اعتبار أي فروق بين المسلمين والكفار والأتقياء والفجار.

 
(2) في مجلة «الجديد» [عدد (56) سبتمبر/ أيلول سنة 2019 (ن)] (ص/ 137).
 
(3) المدعاة كذبًا وزورًا على خلاف ما أرسل الله به الرسل، وأنزل به الكتب.
 
(4) على سبيل المثال: نقل عن هؤلاء:

  • بيتر سنغر: أنه يُشَرْعِنُ جماع الحيوانات.
  • لورانس كراوس: أنه يشرعن زنا المحارم.
  • سام هاريس: أنه يشرعن الاغتصاب وقتل الناس لأفكارهم.
  • ريتشارد دوكنز: أنه يشرعن قتل الأطفال، والخيانة الزوجية، وممارسة الدعارة حتى مع الأطفال.
وهذا الأخير أشهر ملحد في هذا الزمان، والذي قبله كذلك من أشهر الملاحدة على الإطلاق في هذا العصر.
 
(5) وكما مرت الإشارة ستجد كفرة ملاحدة مجانين -بدأوا ليبراليين- يقولون في كل ما تقدم: ما المانع؟! وبعضهم بل أكثرهم سيقولها بانتقائية! ليبرالية!!
 
(6) المنشور بالفرنسية «la philosophie devenue folle le genre, l’animal, la mort».
 
(7) الكفرة المتخلفين -بكل المعاني-.
 
(8) بحسب فهمه، وإدراكه، وعقله، وجهله، وكفره.
 
(9) هذا الذي أدركه بدون رجوع إلى النقل الصحيح، وتمام العقل الصريح.
أما نحن فنقول:
أولًا: مرجعنا في هذه الحدود وتحديدها هو وحي الله -تبارك وتعالى-.
ثانيًا: نحن نتعامل مع هذه الفروق والحدود اعتقادًا، وعملًا بما في وحي الله -تبارك وتعالى- (كتاب الله تعالى، وسنة نبيه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-)، وهو أعلم بنا، وأعلم بما يصلحنا، ويصلح لنا.
 
(10) بل قل: الفلسفة تصاب بمزيد الجنون حين تنسى الله وتمعن في الكفر به وبكتبه ورسله.
وقلت: بـ«مزيد»؛ لأنها من أولها القديم مباعدة للوحي، مضادة له، كافرة به، والله المستعان.